إن مجتمعنا المغربي الذي يسعى إلى بناء دولة اجتماعية متضامنة وإلى تنزيل نموذج تنموي شمولي وفعال، أحوج بكثير إلى اقتصاد اجتماعي وتضامني قوي يكون بمثابة رافعة ودعامة تساعد وتساهم في تحقيق ما يصبو إليه من تقدم متوازن وأمن اجتماعي ورغد عيش.
وإن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمبادئه وقيمه المتعارف عليها عالميا، وبمؤسساته المتجسدة أساسا في التعاونيات والجمعيات، هو القطاع القادر على التعبئة الشاملة لكل الطاقات، والمدمج لمختلف الفئات والمتواجد بمختلف المناطق والتضاريس؛ إنه يشكل الأداة المرنة والملائمة لتحقيق التنمية المجتمعية المستدامة والمدمجة التي يصبو إليها كل مجتمع من المجتمعات، أكان متقدما أو سائرا في طريق النمو.
لقد شهد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب منذ الاستقلال ممثلا أساسا بالتعاونيات والجمعيات دعما متنوعا من طرف السلطات العمومية والذي تمثل بالخصوص في سن القوانين وإحداث المؤسسات والمواكبة على مستوى التنظيم والتكوين والتدبير والتمويل والتسويق؛ وإن الاهتمام الذي أولته الدولة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني منذ ستينيات القرن الماضي، ممثلا بمكونيه الأساسيين: القطاع التعاوني والقطاع الجمعوي، جاء تجاوبا مع الدعوة والتنبيه إلى أهمية تأسيس التعاونيات والجمعيات ومساهمتها في بناء المجتمع المغربي الحديث الذي يتوق إلى حرية حقيقية، وتنمية مندمجة وشاملة، وإلى عدالة اجتماعية؛ وركزت هذه الدعوة بالخصوص على القطاع التعاوني لما يحتضنه من تنظيمات يمكنها أن تؤطر الأنشطة المدرة للدخل، وتعمل على تنمية هامش الربح لدى المقاولة الصغيرة والمتوسطة، وعلى تخفيض كلفة اقتناء الآليات وباقي وسائل الإنتاج، كما يمكنها المساهمة أيضا في الرفع من المردودية الاقتصادية للفلاح الصغير، والصانع التقليدي، والمنتج الصغير في مختلف القطاعات، مع إمكانية توفير مناصب الشغل لليد العاملة؛ كما يمكنها أن تعمل كذلك على تخفيض الأثمان المتعلقة بالمواد الاستهلاكية، وتوفير هذه المواد بالجودة المطلوبة مع العمل على محاربة الاحتكار. جاءت هذه الدعوة – بشكل متميز وواضح وصريح من خلال وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي رفعها الراحل الزعيم علال الفاسي – بتاريخ 11 يناير 1963 الى الراحل جلالة الملك الحسن الثاني، جاءت الوثيقة كما أُعلن عن ذلك كبيان ثان خاص بالتحرر الاقتصادي بعد البيان الأول الذي تم رفعه إلى جلالة الملك محمد الخامس بتاريخ 11 يناير1944 والمتعلق باستقلال المغرب وإرساء الملكية الدستورية.
من بين ما تحث عليه وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، تمكين المواطنين من الفرص المتكافئة وتحرير الفرد من جميع أنواع الاستغلال ولبلوغ هذه الأهداف يجب القيام بمجموع من الإجراءات من بينها …. ضرورة توسيع وتنمية نظام التعاونيات الذي ييسر اسباب المبادلات ويخفض من الأثمان، وذلك برفع الدخل والقدرة الشرائية للمواطنين، كما يمكن من تنظيم الأمة داخل وحدات اقتصادية واجتماعية تنمي روح التضامن بين المواطنين.
ترى الوثيقة – في الميدان الفلاحي – ضرورة العمل على القيام بإصلاح زراعي يستهدف زيادة الإنتاج الفلاحي وانتظامه، ورفع مستوى المعيشة لسكان البادية يكون أساسه تجميع الفلاحين الصغار في وحدات تعاونية. وتؤكد أيضا على وجوب قيام الدولة بتقوية التعاونيات من أجل بيع المواد الخام، وعلى تشجيع تعاونيات الاستهلاك.
إننا عندما نتكلم عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمفهومه الجديد الذي تجسده بالأساس التعاونيات والجمعيات التنموية المحتضنة للمشاريع المدرة للدخل، لا يغيب عنا الفكر التعادلي الذي شكل ويشكل أحد أركان النظرية الاقتصادية الاجتماعية ويدعو إلى تطبيقها من أجل تحقيق تنمية مجتمعية مندمجة ومدمجة ومستدامة.
إنها النظرية – المرجعية التي ينفرد بها حزب الاستقلال بين مختلف مكونات الحقل السياسي في الماضي وفي الحاضر والتي تعكس في عمقها الفكري وتجلياتها العملية أهم القيم والمبادئ التي تشكل الهوية المغربية ويتميز بها بلدنا ومجتمعنا بين باقي المجتمعات.
إنها النظرية التي تمتزج عناصرها بالمبادئ الأساسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بكل أبعاده وتجلياته والقيم والمبادئ التي تميزه عن القطاعين السائدين: الخاص والعام.