زينت سماء الشرق الأوسط بمصابيح منفجرة ليل الثالث عشر من أبريل، فبين فرح بتلك الأضواء المنيرة ومن يتوجس منها فزعا تفرض العديد من القراءات نفسها للوضع الحالي في الشرق الأوسط ومدى تداخله مع مصالح الشعوب العربية والمملكة المغربية بشكل خاص. هذا الوضع الجديد القديم الذي يعرف تطورات محورية منذ فجر الثورة الإيرانية ونبذ المغفور له الحسن الثاني لولاية الفقيه في تعبير للتوجه الاستراتيجي للمملكة خاصة في الجانب الديني السياسي بشكل صريح ومباشر ومستبق لأي هيمنة، واندلاع الصراع البعثي الصفوي من جهة إلى نجاح التغلغل الشيعي بأذرعه العسكرية في مناطق عربية مهمة تمتد من العراق ولبنان وصولا إلى التموضع الاستراتيجي على تراب الجمهورية العربية السورية هذا التموضع الذي أزعج الهيمنة الإسرائيلية من جهة كونه داعما لما يصطلح عليه محور المقاومة خاصة في امتداده لقطاع غزة والقطاع الجنوبي للبنان، إلا أنه من جهة أخرى قد يشهد دعما غير مباشرا كونه أسهم ولازال في تفكيك سيادة تلك الدول ذاتها أو تشكيل تهديد حقيقي على جيرانها كالصراع في اليمن.
الوضع قبل السابع من أكتوبر:
شهد أحداثا مهمة كان على رأسها التصالح السعودي الإيراني برعاية جمهورية الصين الشعبية والذي سمي بالإختراق الدبلوماسي للإستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط كونها ارست سبل تفاهمات سياسية واقتصادية تخدم على المستوى الأول المصالح الصينية المختصرة باستراتيجية الحزام والطريق حيث يستحيل على هذا الورش العولمي ان ينجح دون ارساء سلام بين القوتين يضمن مرورا سلسا للأفراد والسلع وبالتالي ضمان استمرارية خطوط الإمداد الصينية، وعلى المستوى الثاني إخمادا للصراع في اليمن والذي كان يمتد للداخل لدولة المملكة العربية السعودية وما شكله من تحديات أمنية خطيرة. بالإضافة لإقتراب التصالح السعودي الإسرائيلي مع بروز مؤشرات تفاهمية بين الطرفين.
السابع من أكتوبر:
جاء طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر اسما على مسما حيث مع انطلاقه كان جارفا لكل التوازنات الجيوسياسية والتي ستتغير مع الإختراق الكبير للتحصينات والدروع المنيعة وتحقيق جميع الأهداف الأولية للهجمة المخطط لها مسبقا من قبل حركة حماس، إلا أن الجانب الاسرائيلي استطاع نوعا ما امتصاص الأزمة رغم ما كلفه ذلك من موارد بشرية و مالية مهمة وضغط كبير على القوى الداعمة له وصل لمطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل مباشر إيقاف التوغل في رفح تزامنا مع اتساع رقعة الإجرام بإراقة الدم للموظفين الدوليين وما شكله ذلك من ردود فعل مهمة كانت ستطوق بنبامين نتنياهو بشكل خاص هذا الأخير اللذي يشكل أهم شخصية مؤثثة للصراع الحالي حيث يقرأ تشبثه بالتصعيد خدمة لمصالحه الشخصية وتكريسا لتوازن سياسي هش في الداخل الإسرائيلي إذ يتوقع محاسبته بتهم عدة وتحييد دوره السياسي والتحكمي بالمنطقة لفشله في ضمان استمرار التوازنات، لكن هجومه المباشر والمدوي على مجمع السفارة الإيرانية بدمشق جاء كفعل دقيق كان يريد من خلاله إعادة شعلة التضامن مع حربه الهمجية ضد الأبرياء ، وهو ما توج بهجوم إيراني يوم الثالث عشر من أبريل كان لابد منه لحفظ ماء وجه القوة الإيرانية وتزكية الإديولوجية التوسعية المدعية بالدفاع عن المقدسات الإسلامية وخاصة منها القدس.
بعد الثالث عشر من أبريل:
جاء الهجوم الاسرائيلي على السفارة الإيرانية كفعل مشتت للرأي العام الدولي الذي بدأ يضغط على صانع القرار الحربي الاسرائيلي لفرض هدنة والتخلي عن التوسع في رفح، وهو ما تحقق فعلا فمن ناحية بدأ بتحركات دبلوماسية حثيثة كان أهمها طلب الرئيس جو بايدن من الصين الوساطة لكبح الرد الإيراني أو على أقل تقدير إحاطته بنوع من العقلانية وهو ما أثمر ما يشبه بالتنسيق الغير مباشر ساهم لحد كبير في التصدي للهجمة بشكل فعال، حيث أعلم صانع القرار العسكري الإيراني بموعد وكم وكيفية ما سيقذف متيحا بذلك مجالا لتدخل العديد من الأطراف تبدأ بالدول العربية كالمملكة الأردنية الهاشمية والذي نقرأه بالمضطر لكون مجالها الجوي قد استبيح بشكل مباشر من طرف المقذوفات الإيرانية من جهة وحتى لا يكون ذريعة للطيران الإسرائيلي لإختراقه بحجة الدفاع عن النفس وهو ما مفاده تحويل مجال الصراع من الإيراني والأراضي المحتلة إلى المملكة الأردنية وهو ما كان سيشعل المنطقة برمتها.
رسائل الصراع:
في رأينا المتواضع أن أهم رسالة في هاذا الهجوم قد تلقتها الثلة الحاكمة بإسرائيل حيث أعادت التموضع الصحيح بالنسبة للرئيس الأمريكي كون لا وجود ولا أمن للدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية دون الحماية الأمريكية المباشرة والبريطانية الكاملة بالإضافة إلى الفرنسية وإن كانت بشكل حذر، وأن المنطقة الآن تحتمل قطبية اقليمية تتمثل في الجمهورية الإيرانية الاسلامية ودولة الإحتلال وان أي تحرك يخرج عن النفوذ الأمريكي ستكون عواقبه غير محسوبة وهو ما يسهم بشكل كبير في السيطرة على نتنياهو ومحاولاته جر المنطقة لصراع هو الرابح الأكبر منه ولو على حساب اسرائيل إذ أنه يثق إبان القصف الإيراني أكثر في ملجأ خاص لأحد المتضامنين معه عوض مرافق الدولة العبرية المخصصة لذلك؛
اما الرسالة الثانية للصراع فقد يلتقطها التنسيق الخليجي أو العربي كون عدم التدخل سيسحب البساط من تحت أقدام الثقل السعودي الإماراتي لفائدة القطري خاصة أن هاذا الأخير عرف برعايته للعديد من الاتفاقات بالهدنة المؤقتة المتخللة للحرب وأن بعض الأطراف تعتبره فاعلا مباشرا خاصة للضغط على حركة حماس للحصول على بعض التنازلات، وهو ما نراه الآن في التحركات الدبلوماسية الحثيثة للمملكة العربية السعودية والإمارات لتكريس إتفاق وقف اطلاق النار الدائم والذي يعتبر التطور فيه إيجابيا خاصة بعد بدأ مؤشرات خمود الصراع وبداية عودة النازحين لشمال قطاع غزة؛
أما آخر رسالة لهذا الصراع فيجب على الدول المغاربية والأفريقية التقاطها. فكما تنبهت السيادة المغربية لمحاولات الاختراق من قبل المد الصفوي باستغلال الفراغات الأمنية المتواجدة أو محاولة اختلاقها وضربت بيد من حديد لوأد انبثاق مليشيات شيعية في المنطقة كان أبرزها تأمين معبر الكركارات وفرض تراجع ميليشيات البوليزاريو لما وراء المنطقة العازلة وتعرية أي تنسيق بين هاته الأطراف والعناصر الإيرانية أو هاته الأخيرة والنخبة الحاكمة بالجمهورية الجزائرية، إذ يحتمل في وجهة نظرنا صانع القرار العسكري المغربي الصراع مع الجزائر ويفضل التعامل معه بالدبلوماسية واللين ويتوسم حله في نطاق التوافق الإقليمي. إلا أنه لن يسمح أن تكون في المنطقة موطئ قدم إيرانية من شأنها زعزعة الاستقرار الديني والأمني، خاصة أن للمملكة الشريفة أياد بيضاء تعبر وتعلن عن مبادرات من شأنها الأخذ بمنطقة الساحل ودول الأطلسي الأفريقية لمسار التنمية الاقتصادية والاندماج الشامل والآمن.